الثلاثاء، 24 مارس 2020

الأمور لا تُدار من الشرفات


لو كان الوعي رجلاً لاتخذته خليلاً ومرشداً ورفيقاً، يغيب الوعي وإدراك الأمور، ويكثر الرغي وتكثر الثرثرة ولا تجد في القائل ما ينبئ عن شيء من الفهم، ولا تجد في الأقوال شيئًا من الإحاطة.. ولا تجد في المتناقلين إياهم البحث عن الحقيقة أو المصدر. 
ذلك أكثر ما نتلقاه يومياً من ما يُسمى منصات التواصل الاجتماعي. 
إنَّ العلم والنور يوجد في سطور الأبحاث والدراسات والتجارب والحوارات العلمية والفكرية، ذلك لن تجده عند مُهرَّج سياسي أو محلل، ولن تجده في وسيلة صحافية تحيك الظلام على ذمم مصادر خاصة ومصادر مُطَّلعة بدعوى الإثارة يستنبتون الأقاويل! (الذين يعرفون لا يتكلمون والذين يتكلمون لا يعرفون، قاله غازي القصيبي). 
وذلك أيضاً لن تجده عند حكاءٍ يُنبِئُك عن آخر الزمان، ذلك الذي يتجاوز الزمن الهام في حياته حال حياته وهو المُدرك، ويُدير حديثه نحو زمن غير مدرك، ويتنقل بالحديث عن أزمنة غابرة وما تلاها وأزمنة غيبية لاحقة..، وحوله عوام الناس (وعوام الناس ليسوا مشكلة، بل هم حمام سلام الأرض) وإنما أصل المشكلة في من لم يفقهوا قولًا ولا انتجوا علمًا، ويُصنفوا بأنهم من (عامة الناس)، ويريدوا دوراً أكبر من دورهم، دون أن يملكوا أدوات هذا الدور؛ ليكونوا حمالي أسفار لغيرهم، غرورهم غرّر بهم. 

فالأمور تُدار من المطابخ (وكل فن له مطبخة) ولا تُدار من الشرفات أو الصالونات.. إن الحق يقرع في صدور الرجال ولا يقرع في سمّاعات التلفزة والإذاعات التي تبث أربعة وعشرين ساعة. 

يملأ الكون عبثاً ذلك الناشط الجاهل، إن مما يوجب الاستعاذة بالله منه في السنوات التواصلية الإلكترونية الآنية، من يشعر أنّه المصدر والمُصدِّر وفي الصدارة دائمًا -وهو كذلك- في تسويق الجهل، وتعتيم مصادر التنوير، وتعميم خزعبلات تقارير إعلامية، ونشر الدروشة الدينية، وإرباك المزاج العام.
‫هو لسان لغيره، هو محرك ‬لأيدلوجية ‫لا يعرف على أي أرض تقف، تجده ينشر قولاً ويظن أنّه فاز بالسبق.. هو فاز بنقل التجهيل والتسطيح، فيتبارى أدعياء المفهومية أولئك المعنيون بتدويل الشائعات بين الناس بأيهم أكثر فهماً للنوازل وإحاطةً بالمصاب الجديد في الكون! ‬
‫تحري الصدق والمصداقية يُعد مفهوماً غائباً عن أولئك المروجين لكل متداول، وهم المحرك الأول له والمتأثر الأخير به. 

صديقي، وسط هذا الجريان المتدفق؛ الإيمان بوصلتنا نحو السلامة، متى ما آمنت بحقيقة ما اِزدت قرباً لروحك، كن لروحك خير رفيقٍ ولا تُحمّلها مالا تطيق، وكل حمل زائدٍ عنها أنت لست أهلاً لحمله. 

عزيزي -وأنت النبيه- لعلّك لاحظت ذلك (أثناء انتشار الجائحة العالمية كورونا، وفي الأحداث السياسية، وفي التغيرات الاجتماعية..، وعلى ذلك فتبصر).






رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...