الجمعة، 16 فبراير 2024

أسطورة الحبل السحري



    تنقلنا الأسطورة في الحكايات إلى عالم روحي آخر، يشع بالغرائب ويجود بالعجائب ويستمر بالدهشة التي تُحيّر العقول وتأسر القلوب، عدوها الأوحد كل عجول! 

في فلك الأساطير، التمايز على خط الانتشار، مرور القرون رحًى تُديرها على كفوف السائلين في كل عصر.. أسطورة عصرنا مازالت فتيّة، لا أحد يذكرها على الإطلاق بشيء من التطرّف في الوصف، تأخذ دور آخر العنقود.. تكاد تئدها الغيرة! فالأقل شأناً منها لها مزارات وطوابع وتماثيل تذكارية، تملأ رفوف الدور الثقافية، يبروزونها ويبرزونها الناس خلفهم على الحائط أو على طاولة بجوارهم في صورهم المُلتقطة، يقرأ رمزيتها من اطّلع على شواهق التأريخ ودهاليزه..

أسطورة هذا العصر، ينتقل الناس من خلالها في أمكانهم، وتلك الأساطير لا تفعل ذلك، ألا يحقُّ لها أنْ تنفعل؟! 

بل إنها أنشأت قِصصاً غرامية بين جنسين، وخلقت أجواءً مناسبة لتبادل المحبة، وعلى النقيض أوجدت مناخاً ملائماً للحروب الباردة، وتغلغُل القوى الناعمة! 

طائفة المؤمنين في كل الأديان لا يكفرون بها، ليست مارد جن ولا مادة إنس.. هي شيء لا يُشبه أي شيء، وشاخص لا يُرى.. وآثاره الأثيرة والوثيرة شاخصةً للعيان والبيان، تدس السمن في العسل وتدس السُمَّ في كل مذاق، لا تقتل، تُلوّث، وتمنح مزاجاً رائقاً في أكثر الأحوال، بحسب المورد والمصب، تنهال كعرافة تقرأ الكف، كمُنجّمة تقرأ الطالع، تومض، تُقلع، تحط أسفارها في كل بقعة! 

الخيل والليل والبيداء تعرفها -أو كما يقول الشاعر العربي الأصيل ذائع الصيت في القِدم، ويحيا كأسطورة رمزية غارقة في العراقة حتى عصرنا هذا- تربط البحار والقفار ببعضها، وتعبر بها ومن خلالها، غيابها يعني الخروج عن المألوف، تلك هي أسطورتها، بحضرتها يقترب كل ناءٍ بالبعد، تحمل العناوين والأسماء والأسفار والمعاجم والتراجم، والعرب والأعاجم، والأحجار الكريمة والتي بلا قيمة أيضاً، تحوي الإنسان من رأسه حتى أخمص قدميه مروراً بالعجان، بمعية كل الكائنات الحية وغير النابضة بالحياة، تحمل الشيء والوجه الآخر منه في ذات اللحظة مع المريدين والمستنكرين معاً، معها تشعر بأنّك وحيد ومَنْ حولك كآلهة كهنوتية، تحقق مبتغاك دون توسلٍ وعناء صرف عبادة.. ويعتريك شعور تموّجك مع الكثرة كأنك لاشيء، وإن أكبرت نفسك؛ فبالكاد تزن وجودك كحبة رمل وسط كثبان صحراوية مترامية الأطراف!

لا أحد يُصرّح بها عنوة، منذ أنْ أبرزت مفاتنها، تنفرد بمطالعي حكاياتها، يتعرّفون على عوالم في بلاد بعيدة، يتبايعون، يعقدون الصفقات، يقضون ليالي السمر.. 

عندما تتثاءب ينام العالم، وحين تسرع تسرق الانتباه، ومن قبحها في بعض الوقت تأخذ دور السلحفاة؛ ليحتل متفرجي متعتها الضجر وتخرج نتوءاتهم المنزعجة على السطح!

الرابط السحري، الحبل السري لعصب حياة القرن الواحد والعشرين.. شبكة الانترنت وبرامجها وتطبيقاتها، تأخذ مجراها الطبيعي كأسطورة حيّة، ولها أن تختال. 


الخميس، 8 فبراير 2024

وشمٌ على جدار الزمن

 



    العلاقات الطيبة، هي نور الأمل الباقي على الصعيد الشخصي، تتقدم السنين، ومن يطوي على صفحاتها الأثر الجميل، يجد نقوشها رحابةً في صدره، وزكاةً في نفسه، وأشرعةً من فياض.. وحياض من طمأنينة وسلام.
إنّ اللياقة الإيجابية تحتاج إلى دربةٍ ومران لتجتاح كل اليباس لتمنح الإخضرار .. 
من اليسير جداً، العبوس والاكفهرار والإعراض.. لكن الإقبال والبِشْر والتبسم، منهل الرسل العذب، منهج محفوف بأرتال من الأعباء، على أي حال كنت، فأنت ترسل رسالة عبر أزمنتك التي تحياها وتحيا بعدك ..
كم الذين عبروا خفافاً على الأنفس، وجعلوا الأريج يُخالط عطر طيفهم وذكرهم وذكرياتهم، وكم الذين أورثوا الحنظل والمرَّ والعلقم؟! .. ثمة مفارقة!
لا أحداً يريد لشخصه المورد السيئ، فالسيئ بذاته، يرى في نكاله وسواد أفعاله، الخمار الذي يستر عورات الناس!
أو هو مُحطّمُ أصنامٍ طال بها المقام كثيراً، أو يريد صولات الأسود (ولكنه نسي أنّه خارج قانون الغابة).. على أيةِ حالٍ، تتعدد الغايات والخلفيات التي انطلق منها ذاك العابث في النسيج الاجتماعي؛ ونكاد نجد ما يُتّفق عليه؛ أفضى إلى جادة الصواب، وانتهى! 
إذا كان الانتهازيون -في غالب أمرهم- لا يفرقون بين ما هو لائق وغير ذلك، سوى ما يُغذي أنانيتهم.. فإنّ المترفعون عن الدنى والخنى، هم سُراة الناس الذين يبذرون الصدق، ويحقنون النضارة في جسد شيخوخة الزمن، ويؤصلون التعامل، فهم الحضور في زمن التلاشي، والمثال الرفيع للخيط الأبيض بين نُدف الدنس، هم الصفح والصحِة والأحق بالصحبة والذكر. 

يقول الشاعر في الزمن الجاهلي، عدي بن زيد العبادي، في قصيدته التي مطلعها: (أَتَعرِفُ رَسمَ الدَّارِ مِن أُم مَعبِدِ)، اخترت منها: 

أَعاذِلُ ما أَدنَى الرَّشادَ مِنَ الفَتَى 
                                    وأَبعَدَهُ مِنهُ إذا لَم يُسَدَّدِ 
. . .
كَفَى زاجِراً لِلمَرءِ أَيَّامُ دَهرِه 
                               تَروحُ لَهُ بالواعِظاتِ وتَغتَدي
. . .
فَنفسَكَ فاحفَظها مِنَ الغَيِّ والخَنَى
                           مَتَى تُغوِها يَغوَ الَّذي بِكَ يَقتَدي
. . .
عَنِ الَمرءِ لا تَسأَل وسَل عَن قَرينِه 
                                  فكُلُّ قَرينٍ بالُمقارَنِ يَقتَدي 
. . .
إذا ما رأَيتَ الشَّرَّ يَبعَثُ أَهلَهُ 
                                وقامَ جُناهُ الشَّرَّ للشَّرَّ فاقعُدِ 
. . .
إذا كنتَ في قَومٍ فَصَاحِب خَيارَهُم
                    ولا تَصحَبِ الأَردَى فَترَدى مَعَ الرَّدي

رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...