الخميس، 2 ديسمبر 2021

فردانية الحياة




الحياة تجربة فردية، وحينما تلد الأيام للمرء نصيحة توجيهية على النحو الأمثل، لا يستمع إليها، لا يتوقف عندها؛ .. حتى يوقن سيره في طريق منحدرة ولا مجال للعودة فيكمل تجربته منحازاً لتجربته. وعندما يُقدمها كتجربة إنسانية لمقبلٍ على عراك الليالي المتوالية، لا يستجيب.. لتبقى الحياة تجربة ذاتية وحرمتها لا تقبل المساس. 

يتعاقب بنو الإنسان على تذوق نبع الكبد من مصبه حتى آخر رشفة، حتى آخر نهار، من المهد الأول وحتى المهاد الأخير على مغالبة آية الليل والنهار، وهي غالبة بالتأكيد، ويبقى معاشر الإنس يتوالون على تخضيب أفئدتهم من قسوتها!

الأيام فاتنة لعوب، أو زير نساء.. لا تتوقف عن اختلاس الأحلام واكساب الأوهام!

مَنْ غلب الأيام؟ كلنا حطب لموقدها، نصبح رماداً، نتراكم، تذروا تجاربنا في خانة عدم الانصات للآخر. 

الحياة لا تتزاوج، شقيقها الآخر هو الموت، لا يرادفها شيء، يضادها على النقيض منها تماماً، هادم اللذات. 

نحن نموت، قبل الموت، في حالة ترجي وتمني، أن نرتمي في حبائلها ونطوعها كما تسوقنا الأقدار!

لذا نحاول، وهي لا تبرح في تقديمنا في براءة ساذجة بلا دروع واقية ولا شجاعة باسلة تجابهها، كغرٍ يمشي الهوينا في دهاليز غابة خالياً من كل اسلحة المقاومة التي تخلى عنها طوعاً وجهلاً باعتدادٍ زائف، فيداهمه ضارٍ مفترس يحشونا في امعائه واحداً تلو التالي، بعد عملية طحن متتابعة على الأنياب والأضراس.


الثلاثاء، 27 يوليو 2021

التشويح بوصفة الطبيب!




أفكارنا ومعارفنا وخبراتنا لم تُصلح أحوالنا كما يجب، كما نريد على الأقل! 

والتشويح بآرائنا كلما هبت رياح رغي ودفء قعود من شاكلة قِيل وقال تحت ظِلال من سبقونا، سقائف كانت أو سُقُف.. لا يُغير أصل المسألة، ماذا كسبنا؟ وماذا وهبنا؟ وماذا لدينا؟ 

ليست إلا جلوسًا في قيض الرمال وتمني ركام السحب تُخفف وطء الهجير. 



سأنتقل للتصريح بدلاً عن التلميح، وبالمثال يتضح المقال؛ من السهل جداً أن يقول متقولاً في سوق السمك، مثلاً: ❝على الدول العظمى مراجعة سياساتها في الشرق الأوسط.. وإلا علينا وعلى أعدائنا!❞ 

لاحظ هنا، الدول العظمى لم تستمع لتهديده المزلزل عوضاً بأن الشرق الأوسط لم يؤيده من الأساس ولم يُلقي برأيه المنسوخ أصلاً بين أيديهم خلافًا بأن قومه لم ينصبوه للحديث نيابة عنهم، مع الاتفاق شكلاً ومضموناً بأنه لا يفقه شيئاً. -ولو كان يفقه ما ذكر شاكلة هذا الكلام في غير سوقه-.


ما أكثر هؤلاء الذين يحاولون إصلاح الخلل في غير مكانه، توجيه اللوم لدائرة ما، للتخطيط، للوزارات، للسياسات، للدول المدججة بالخبراء والمستشارين.. وليس معنى ذلك أن هؤلاء لا يخطئون! ولا يعني أيضاً ألا يكون هناك خللاً ونحوه يسدده المستفيد أو العميل أو المواطن بالنقد أو الشكوى للجهة هذه وتلك (ليس هذا المجال الذي عليه القصد) أو يردم هوّته التقدم والتطور اللاحق.. . 

بل إنّ الجلوس على فوهة اتخاذ القرارات في ظروف لا تعلمها ومراعاة لأمور لا تحيط بها خُبرا وعلاقات لا ترقى إليها وفوائد لم تنتظرها ودرء أخطار لا تعلمها يا رعاك الله أنت في غنى عنها. 


وإنما يكون توجيه الانتقاد، الرأي، الرفض، وأية أمور أخرى.. في مجراها الطبيعي، ليكن البلاغ والبلوغ.. .


في العموم سيتحدث الناس بين شد وجذب مهما بلغ الأمر، ومن الطبيعي جداً تبادل الأحاديث في الميادين وأماكن الاجتماع... (ليست هذه المشكلة بتاتاً، وهي من الحراك البشري المُعتاد). 

لكن من يعتقد بأنّ لديه وصفة الطبيب نادر الوصف، الذي قد لا يتكرر إلا كل مائة عام مرة، وخارطة السير التي رسمها لهذه القرية أو المدينة أو العالم وينبغي أن يسيروا عليها لضمان النجاة وإلّا سوء المصير ينتظرهم على أحر من الجمر، عليه أن يعمل بكده في عمل أو عملٍ إضافي، يدر عليه من خيرات الأرض ليتحرّك فاه بما يملأ جوفه، فعقول الناس لا يحركها إلا من يعرف عواقبها وآذانهم لا تستمع للفارغين الذين يقتلون فراغهم على حساب إدماء أحلام الآخرين وتطلعاتهم، ويمضون إلى احتلاب الأماني، لعلها تمطر تيجاناً من أوهامهم على رؤوسهم؛ لتؤكد ما يروّجون له مِنْ فهمٍ سقيم لم يُصلح حالهم في المقام الأول.



الخميس، 24 يونيو 2021

فإنَّ الجابرَ اللهُ





في البدءِ كانت غياهب غيبوبة .. 

ثمَّ اشتهاء الأرض لاحتضانه في أحشائها ..!

قصة انتقال الرفيق إلى الرفيق الأعلى، 

بين دفتي المكرّمة والمنوّرة ..

نِعْمَ الحياة مكة!

ونِعْمَ العبور المدينة!

 

وإنْ كسرنا 

‏الرحيل .. 

‏فإنَّ الجابرَ اللهُ ..!

وإنْ بكتْ في لحظةٍ عين ..

بكى كلّ الوقتِ قلب .. 


تكبُر ندبات الروح حتى تُشْعل الندبة الأخيرة فتيل الفناء ..

لازالت المنايا تحصد بمنجلها فنون أغصاننا وجذورنا، حتى تستفيق آخر ورقة على اليباس!


من فَقْدنا

نُخيطُ جرحاً على جرحٍ لعل النفوس تطيب!


لله كل تأوهنا 

لله كل نزيف التعازي

لله كل تداعي الحزن 

لله كل صرخات الذكريات 


خدودنا 

وإن جرَّحها مرور عَذَابات العيون

فإن أكبادَنا تطحنها بواعث الكتمان .. 

ونظراتُنا 

إذا تقابلت 

باحت الأخرى إلى الأخرى مرارة البوحِ .. 

تقودنا 

لبعضنا اطمأناناتنا وأيّنا أكثرُ جلداً؛

فيفضحنا تحرّج الحروف وصورنا في المرايا!

أسئلةٌ تحوم .. 

أين القابع طيفهُ في وجومكم؟ أين مقامه؟


يا رب البرايا 

في البقيع لنا خيّرٌ بجوار الخيرين وسيّدهُم!

وجودك الذي لم ينقطع عليهم، جُدْ عليه بمثلهم. 



كم تجرعنا 

من الآلام ما يُكدَّر صفونا

ولازلنا نُسبّح بحمد الله إحساناً وتبتيلاً ..

آمنَّا بربِّ الحزن والفرح ..

وأَنّا في كل حالٍ مؤمنينا ..






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

في فقيدنا المكي، المقبور بالمدينة، جابر السلمي. 

الاثنين 11 / 11 / 1442هـ - 21 / 6 / 2021م.

الخميس، 10 يونيو 2021

الحجر بالعشر




كان الدافع لتدوين تجربتي مع الوباء ونشرها بعد التعافي -بحمد الله- رفع نسبة الايجابية في التعاطي مع الجائحة، ربما يطالعها من يستفيد منها كما انتفعت من منشورات آخرين، (لم تكن أبداً لاجترار التهنئة بالسلامة، وإن كانت تنم عن فضل وحمد لا استطيع مجاراته من أعزاء كرام). 


الحجر وليال عشر، أقسم بالله أنه لأمر ضجر وليس بالقبول السهل.. كسجنٍ في بطن حوت! ظلمات من كل جانب .. يُنيرها حسن التصرف بعد عناية الرحمن.

تنام وتصحو بلا يقظة، تكتب، تقرأ، تسير في نفس المكان، هي أيام عشرة، هي أيام عَسرة، هي أيام عُسرة، قلق.. لا أحد يُريدك، لا تُريد أحداً، الوباء الذي في أنفاسك قد يقتل إنساناً، يزداد الصرعى والحالات الحرجة حولك في العالم.. تستبقيك نفحات الإيمان الروحية ونسمات الوفاء والمحبة الصادقة. 

التواصل بالصوت والصورة من خلال برامج الهاتف المحمول يكسر بعض القيود في هذه الأيام المعدودة.. مَنْ كان له هواية يمكن ممارستها فلينصب إليها.. أو أوجد لك عملاً بسيطاً تتقنه وانصرف إليه.. متابعة التلفزيون واليوتيوب ومواقع التواصل وغيرها أيضاً تقضي على رتابة الوقت.. ممارسة الطقوس الدينية تأتي بأثر نفسي كبير.. أمامك مساحة للتحرك الذاتي؛ لتأخذ مسافة تبتعد فيها عن جلد الذات وسوء المصير. 

من كان في عزلة خارجة عن إرادته يحتاج للمداراة والملاطفة فأكرموه بالكثير منها. 


كوننا في هذا الدنيا أياً كانت نوعية العلاقة بيننا، خُلِقنا لنتكامل، ما يعلمه البعض لا يحيط به خبراً بعض آخر في محيطنا الإنساني الكلي.


كونك بشر من ضمن البشر، يصيبك ما يصبهم.. لستَ في مأمن من شيء، هناك غِطاء من لطف الخالق يجعلنا نرفل في نعم لا ندرك سموّها وعِظمَ مدبرها إلا في لحظات فقدان البوصلة الذاتية حين يتحوّل المُتاح إلى مستحيل.


الثلاثاء، 1 يونيو 2021

جرعة ثانية من الفيروس ذاته





حينما أخذت وزارة الصحة بالاعتبار البروتوكول العالمي بتأجيل الجرعة الثانية لمدة أطول.. كانت جرعتي كذلك فتأجلت بدورها، إلا أنّ كورونا كانت صادقة معي إلى أبعد مدى بطبيعة الحال، هي لا تريد أن تكون منافقة فحلّت ضيفةً على جسدي بموعد اللقاح المؤجل!
أصبت بحساسية في أنفي ذات مساء (كما هي العادة عندما اتعرض للروائح النفاذة)، ثم انتقلت لحلقي.. قلّت زكام! أهلاً أفتقدك منذ مُدّة، عام وأكثر أهلاً، ذهبت إلى مطعم يقدم اللحم ذو المرق الوافر، الوجبة المفضلة للمواجهة على أية حال! 
لم أجد.. توجهت لبائع العصائر وابتعت منه عصير برتقال طازج.. واتبعته آخراً من آخرٍ..
يوم.. يومين.. ثلاثة سخونة داخلية تجعلني لا أُفكر بالذهاب إلى أي وجهة.. حينها بدأ لي وكأن في الألم زيادة.. بين الساعتين الثالثة والرابعة عصراً توجهت لعيادة طبية خاصة، قالت لي الطبيبة السودانية بعد أن كشفت عليّ: لديك التهاب بالحلق وارتفاع بدرجة الحرارة، طلبت رأيها حول ما إذا كانت كوفيد أم لا، فاشارت إن لم تتحسن حالتك في الغد، اعمل المسحة!
أخذت الدواء من الصيدلية وتناولته، وذهبت فوراً لأقرب عيادة وكانت حكومية مكتظة عن أخرها للاطمئنان والتأكد.. نصحني رجل أمن المشفى في ظل هذا الزحام وأنت تقود سيارتك بنفسك خذ مُسكناً وعد لبيتك وقل الحمد لله.. 
ما بين الاقتناع بهذا الكلام والانتظار حتى الغد أو التوجه إلى مركز مختبرات شهير لإجراء الفحص وقضاء بعض الأغراض... كفل هذا التردد والانشغال إغلاق المركز قبل وصولي، فما كان مني إلا العودة لنفس المركز الحكومي في الساعة الثانية عشر وثمان دقائق صباحاً لأصطف مع الخلق ثلاث ساعات كاملات حتى أجريت المسحة وأقفلت إلى بيتي عائداً ألوي على استنزاف طاقتي... لاستيقظ بعد يوم ونصف من الانتظار تقريباً على وقع رسالة نصية تنبئني بأنّي خطر على من حولي؛ (.. وزارة الصحة تبلغك بأن نتيجة فحص كورونا كوفيد التي أجريت لك بتاريخ .... إيجابية (مصاب) وسيقوم الفريق الطبي بالتواصل معك). -للعلم فريق الصحة لم يتواصل معي كما وعدني برسالته. وصحتي لم تكن سيئة على كل حال-.

انتهى كفاحي وجهادي وسهادي للوقاية من المرض إلى التعايش معه وعلاجه والابتعاد عن الآخرين!


الأربعاء، 21 أبريل 2021

عيد 2020

عيدٌ بلا عيد يستعيد أنفاسه كرة أخرى 2021م ونحن برب العيد نستعيذ.. .




أنا والعيد جلسنا نتحاور في ليلة وداع شهر رمضان المبارك، كنت أرغب بوجودك معنا يا صديقي العزيز سعيد، لكنه رفض! وحجته كانت قوية، حيث نهرني نافخاً كل الهواء الذي بصدره؛ منذ متى جلس عيدان على طاولة واحدة! .. وجو كئيب كهذا ؟! 
أنت تكذب مرتين .. 
وأخشى عليك ثالثة لا يصدقك بعدها أحد!
أخذنا نتبادل النظرات سلاماً وكلاماً لا يُقال.. حتى تهاوت غضبتنا من بعضينا في جيوب الانتظار.. بعد أن دارت رحى أيدينا وتشابكت أصابعنا لتوزيع المعقم كما يجب، فرَّغنا بذلك طاقتينا السلبية طلبًا للوقاية والنجاة من الآتي .. 
بادر من خلف كمامته الموشحة بنقوش الورد، ومن على مقعد الحوار، تغنّج أبو هلال بقوله: 
‏- أنا بسموّي شرفت وعلو قدري تكرمت، لا أعلم لولا حضوري كيف يكون يومكم أو عامكم.. وكذلك كيف تكون ذكرياتكم الخالدة. ‏
- وما الذي تغير؟ فالأمر سيان!
‏- اسمي عيد ووصفي سعيد، وأينما أحل أُفرحُ!
‏- يا لك من واثق، ومغرور أيضًا!
‏- ضِحك وقال وهو يبوح برجائه، العيد لا يعقبه إلا الفرح، فبمجرد إعلانه، ارخ أذنك للبشائر.
‏- يا رب. 



مازالت جملة (يا رب) نداءً يزلزل كل فؤاد، وتسفح عنها العبرات، وصداها في الأرجاء بكل اللغات .. 
الرب هو الإيمان الذي يُتلى في المسافة المتهدجة بين الحاجة المُلحّة وسُبل بلوغها.


الجمعة، 19 مارس 2021

منزلٌ تحت وطأة الزمن

 












ألا فرجاً قريباً يسر الرؤى..

‏أيا فجراً.. 

أطال الرقاد في كنف الدجى.. 

‏أطل .. 

‏فشمسك التي غربت منذ عشرين عام ..

‏طوت كل الانتظارات واستبدت بالقلق ..!


أيا ربّاً عزيز المقام مجيب الدعا 

ساوِ أمانينا بأفلاك الفضا 

وزدنا .. 

وهبنا بعد طول الأمد

رحيق العمر في قناني بركاتٍ ورغدْ ..


ألا يا شاخصاً علينا من جبروتنا 

ندعوك بالحلم ونستدعيك مُلك اليمين 

ونحن متى ارتوينا؟

من نبتِ المناغي وحتى تلاغي الحروف!


لك الله يا قلباً تمنى .. 

لك الله يا قلباً شغوف ..


تُنازِعُنا الغفْوات، متى المُستراح ؟ 

وكل يومٍ من الأمواجِ يعقبهُ تالِ ..



الخميس، 11 مارس 2021

النضوج قبل الاحتراق



النضوج مرتبط بالاحتراق..، هكذا هي فكرة سائبة وسائدة! 

يبلغ الطعام مرحلة الاستواء تحت اشتعال اللهب! 

يعْقلُ المرء بعددِ ما لاقى من تجارب قاسية!

ماذا لو استبدلنا التسخين بأقسى درجات التبريد؟ وأوجدنا تجربةً ناجحة ينضج الطعام بها.. فما نمارسه يومياً يؤثر علينا بالتأكيد!

قد تكون فكرة باردة .. أو هكذا يتداعى إليّ! 


بمعنى آخر.. يكون الإنسان أهدأ حينما يستقيظ باكراً في الصباح بعد تمتعهِ بقسط كافٍ من النوم  ليلاً! 

وكذلك الأمر مرتبط بالمسرات المسائية وليالي السمر واجتماع الأصحاب والأحباب ليلاً حيث لطافة الأجواء والدفء ..، حتى عزائم الظهيرة لا تجد الحفاوة وإجابتها تتم بشكلٍ مقتضب ..! 

لن تجد عاملاً ينضح عرقه تحت أشعة الشمس الملتهبة أو شخصاً مصابًا بحمّى.. ويعطيك من طرف اللسان حلاوة!

أنت تطلب أن يُمثل عليك دوراً مثالياً!

بينما هناك في المناطق الباردة يلهُون بكرات الثلج، ويلتقطون صورهم التذكارية .. 

هذا كله لا يعتبر مقارنةً أو مفاضلةً بينهما، فلكلٍ منهما دوره واحتياجه.. لكنها فكرة نحو التراجع عن شيء والاقتراب من شيء آخر  يؤازر المودة في حياتنا.


طبعاً البرود يقتل أولئك المصابين بمتلازمة الحرارة، وليس هو المُراد الذي تتمدد من أجله الحروف أو تتقلص المعاني. 

وإنما تكون المشكلات عصيّة على الحل حين فورانها، وتبدأ تُحلُّ عُقَدِها بعد مُدّة من وقوعها كفيلةٍ ببرودها وحطَّ أوزارها وتعدّد فُرص تلاشيها.



الثلاثاء، 9 فبراير 2021

ويموت المحسنون.. أيضاً !





عندما يموت مُحسناً تشق الأرض جيبها وتدفن جرحها وتندب حظها، حيث أن ميزان القوة يرجح لصالح الأشرار وفيالق الأوغاد والحمقى ويتمدّد أيضاً.. 
الأرض كلها مقبرة ومساحة الفرح فيها غفوة من العذاب المستعر.. 
حينما تخلو المساحة من الأحدب الحنون، من أعياه السفر الطويل والتعب المتسربل، هل يشكو وحدته؟ أم غربته؟ أم مرضه؟ أم الوجود الذي لا يسع إنسانيته؟ عندها يعود الإنسان لتربته غير آسفاً على شيء سوى أيامه المُهدرة في قيظ التصحر.. إلى الجنان يا سيد الحنان! 
في مرضك الأخير (وأمراضك قصة أخرى من عذابات الوجع، حاربت فيها كثيراً وخارت قواك أخيراً) .. هاتفتُك لأطمئن على نواغز روحي تجاهك، قرأتُ صوت الموت في أنّات كلماتك.. 
سمعت مرارات السأم التي لم تنطق بها، شعرت بذلك، رأيت ذلك.. لكنني ككل المسوّفين انتظر الفرصة المناسبة، والفرصة المناسبة أتت حينما كان لابد من فرصة.. وكانت للوداع!
عاش وحيداً، عاش بعيداً، عاش فريداً، وكأنه يدس آلامه وأمراضه .. 

مات المحسنُ.. وكلنُا مسيئون! 




الرياض، من صدى مساء السبت 12 / سبتمبر 2020 م. 
كُتبت يوم الجمعة 25 من الشهر والعام ذاته.

رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...