الاثنين، 24 أغسطس 2020

أين أنت يا إبراهيم ؟


قبل سنوات عديدة لمرضٍ ما رقدت في مستشفى الملك فيصل (الششة) بمكة بضعة أيام، يُقال بأنّ عمري وقتذاك ثلاثة أعوام، وسط ذاكرة متقطعة كان يرقد بجانبي شقيّ مثلي اسمه؛ إبراهيم، مر العمر ولازلتُ اتذكره.. تُرى ماهو حالك يا (هيما)، وكيف هي رحلتك مع الأيام؟.. ووالدك الطيّب (صاحب الكرسيدا) ما حاله؟
أتذكر عارضيه السوداوين المُزيّنة بالبياض الطفيف، كان يرتدي ثوباً، حاسر الرأس، أسود الشعر، قصيره، دون تصفيف مُتكلِّف! 
عند خروجنا من المشفى معاً اقتعدنا المقعد الخلفي، لعبنا بالمخدتين التي توضع للزينة على الطبلون الخلفي وتقاذفناهما بيننا، طالعنا السيارات التي تسير خلفنا، وضحكنا .. 
كان أبوانا يتجاذبان الحديث باحترام كبير، أوصلانا لسيارة أبي ثم غادرا من مشهد حياتينا إلى اليوم الذي أخط فيه من عبق الأيام شذاها.. 
بعد أن ودّعناهما امتطينا سيارتنا عصر يوم من أيام أم القرى، جلست وأبي على طاولة ومقعد خشبي بمطعمٍ شعبي.. تناولنا طعاماً وشراباً لا تلم ذاكرتي به، وتشاركنا بلعب الطقطيقة (الصرقيعة).. 
كان والدي يرتدي ثوباً سكريًا بكمين مغلقين عند معصميه بزرارين من نفس اللون ويعتمر عمامة حمراء ...
بعدها تقطعت السبل بذاكرتي لا أدري ما قبلها وما بعدها على وجه التحديد أو الترتيب، هذه اللحظة كشَرَك وضع لقطاةٍ أصطادها دون سرب من المواقف.. 

أرجو أن تصل رسالتي إليك يا إبراهيم .. 
إن أصعب شيء في البحث، أن تبحث عن ذاكرة لم تنسَ صورة التقطتها ذاكرتك وحفِظتها.. وربما لم تلقَ العناية مثلها من الآخر.. وربما كان أصغر من تختزن ذاكرته براءة الأطفال .. 

من يعرف؟ ربما يجمعنا ذات مشفى لأمراض الشيخوخة! ، فالقدر الذي جمعنا صغاراً نضحك للأيام لا يُعجزه أن يجمعنا ونحن نستودع الدنيا بكهولةٍ كريمة.


رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...