السبت، 23 يوليو 2022

طمان اللحية والشارب



حين أقام المؤذن نداء الطهر لصلاة الظهر يوماً…، ساقني القدر ليمين الصف الأول خلف الإمام، في تلك الصلاة ضاق نفسي.. تنادوا أولئك الذين ثيابهم أسفل الركبة بقليل، شبان يتزاحمون ويفسحون لهذا وذاك من أصحاب المقاييس والمواصفات الخاصة حتى اختنق المكان، وامتلأ المسجد بالمصلين في الصفوف التالية ولا مجال للتراجع، من على يميني وعلى يساري لو لم يركعا ويسجدا لظننت أنهما من أعمدة المسجد، أو أنهم أخشبين قررا أن ينطبقاً على شخصٍ منهك من يومه العبوس.. قاده يومٌ جائر بالهجير ليستريح تحت التكييف، وبالتأكيد طلب الرحمة من قاضي الحاجات.
عرفت لاحقاً أنه مكاناً مُفضّلاً..
كان ذلك بعد أحداث تفجير الرياض عام 2003م بسنتين أو ثلاث ..
وكان قبل ذلك، بأواخر التسعينات الميلادية نشطت عملية استبدال الأشرطة الغنائية بشرائط دينية بمؤثرات الصدى والبكاء والعويل (أذكر كلما حاولت الاستماع لأحدها لا تلقى قبولي، فأقدّم الشريط لمنتصفه أو قرب نهايته وأعيد تشغيله ولا يعجبني، فأغلقه وأذهب لحال سبيلي) .. لم استطع التنازل عن الثلاثة الأشرطة التي أملكها ملكاً خاصاً ولم أفصح بأنّي من أصحاب الممنوعات، وبالطبع يوجد أشرطة مشتركة أخرى، الأول منوعات لمحمد عبده، والثاني ألبوم الدنيا حظوظ لراشد الماجد، تلقيته هدية من زميل لي في الصف، والثالث: شعبي لمزعل فرحان (ولشريط مزعل فرحان قصة مُزعلة، طلبت من أحدهم ممن كانوا يهيمون بعيسى الاحسائي، أن يبتاع لي أحد إصدارات فنان العرب محمد عبده، ولأنه لم يجد فأحضر البديل كما ذكر). مع الاستماع لما يبث في التلفاز (القنوات الفضائية، في حينها) والإذاعة، بشكل مقصود وعفوي.. تتهادى الموسيقى والألحان إلى وجداننا وتحلّق أحلامنا! 
وما نحن إلّا .. أبناء الظروف.. والأيام ..
‏أبناء السير والسكك ..
‏أبناء الحكايات والقصص ..
‏أبناء الأغنيات والأمنيات .. 
‏أبناء تعاقب الفصول الأربعة ..
وورثة الجينات.. وعوالق الطموحات ..
‏التي شكّلتنا على طبائعنا اليوم ..!

.. في تلك السنوات، يكفي لحصد القبول الاجتماعي الأعم، وليس جميع الجمع طبعاً، إعفاء اللحية وتقصير الثوب مع نفحة عود.. ويا حبذا ترك العقال .. 
وأن تستاك بالأراك، 
فيا سُرَّ ويا سعْد مَنْ رآك، 
سيخجل الحضور من بهاك.. 
وروعة لقاك! 

كانت علامات الصلاح والرشد، سواء كان حقيقياً أو مزيفاً! وما أكثر المزيفين الذي نالوا ما يبتغون وعادوا إلى ما ألفوا.. على أية حال كانت هذه الطريقة لنيل الثقة..!
في العقد المنصرم تقريباً، غاب هذا المظهر، لم نعد نلحظ ذلك.. أمست موجة ومضت!
لتثبت سمو امتيازاتك؛ يتوجب على الفرد عمل ما يستحق من أعمال تجارية، وظيفية، دراسية، اجتماعية.. مستمرة لا عابرة! 
مسألة.. التديّن الشكلي لم تعد تنطلي على أحد، لا تُضيف مزايا دنيوية، تجاوزها الزمن إن لم تكن زُهداً حقيقياً ووجه الله هو المقصود. 

رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...