الثلاثاء، 1 يونيو 2021

جرعة ثانية من الفيروس ذاته





حينما أخذت وزارة الصحة بالاعتبار البروتوكول العالمي بتأجيل الجرعة الثانية لمدة أطول.. كانت جرعتي كذلك فتأجلت بدورها، إلا أنّ كورونا كانت صادقة معي إلى أبعد مدى بطبيعة الحال، هي لا تريد أن تكون منافقة فحلّت ضيفةً على جسدي بموعد اللقاح المؤجل!
أصبت بحساسية في أنفي ذات مساء (كما هي العادة عندما اتعرض للروائح النفاذة)، ثم انتقلت لحلقي.. قلّت زكام! أهلاً أفتقدك منذ مُدّة، عام وأكثر أهلاً، ذهبت إلى مطعم يقدم اللحم ذو المرق الوافر، الوجبة المفضلة للمواجهة على أية حال! 
لم أجد.. توجهت لبائع العصائر وابتعت منه عصير برتقال طازج.. واتبعته آخراً من آخرٍ..
يوم.. يومين.. ثلاثة سخونة داخلية تجعلني لا أُفكر بالذهاب إلى أي وجهة.. حينها بدأ لي وكأن في الألم زيادة.. بين الساعتين الثالثة والرابعة عصراً توجهت لعيادة طبية خاصة، قالت لي الطبيبة السودانية بعد أن كشفت عليّ: لديك التهاب بالحلق وارتفاع بدرجة الحرارة، طلبت رأيها حول ما إذا كانت كوفيد أم لا، فاشارت إن لم تتحسن حالتك في الغد، اعمل المسحة!
أخذت الدواء من الصيدلية وتناولته، وذهبت فوراً لأقرب عيادة وكانت حكومية مكتظة عن أخرها للاطمئنان والتأكد.. نصحني رجل أمن المشفى في ظل هذا الزحام وأنت تقود سيارتك بنفسك خذ مُسكناً وعد لبيتك وقل الحمد لله.. 
ما بين الاقتناع بهذا الكلام والانتظار حتى الغد أو التوجه إلى مركز مختبرات شهير لإجراء الفحص وقضاء بعض الأغراض... كفل هذا التردد والانشغال إغلاق المركز قبل وصولي، فما كان مني إلا العودة لنفس المركز الحكومي في الساعة الثانية عشر وثمان دقائق صباحاً لأصطف مع الخلق ثلاث ساعات كاملات حتى أجريت المسحة وأقفلت إلى بيتي عائداً ألوي على استنزاف طاقتي... لاستيقظ بعد يوم ونصف من الانتظار تقريباً على وقع رسالة نصية تنبئني بأنّي خطر على من حولي؛ (.. وزارة الصحة تبلغك بأن نتيجة فحص كورونا كوفيد التي أجريت لك بتاريخ .... إيجابية (مصاب) وسيقوم الفريق الطبي بالتواصل معك). -للعلم فريق الصحة لم يتواصل معي كما وعدني برسالته. وصحتي لم تكن سيئة على كل حال-.

انتهى كفاحي وجهادي وسهادي للوقاية من المرض إلى التعايش معه وعلاجه والابتعاد عن الآخرين!


الأربعاء، 21 أبريل 2021

عيد 2020

عيدٌ بلا عيد يستعيد أنفاسه كرة أخرى 2021م ونحن برب العيد نستعيذ.. .




أنا والعيد جلسنا نتحاور في ليلة وداع شهر رمضان المبارك، كنت أرغب بوجودك معنا يا صديقي العزيز سعيد، لكنه رفض! وحجته كانت قوية، حيث نهرني نافخاً كل الهواء الذي بصدره؛ منذ متى جلس عيدان على طاولة واحدة! .. وجو كئيب كهذا ؟! 
أنت تكذب مرتين .. 
وأخشى عليك ثالثة لا يصدقك بعدها أحد!
أخذنا نتبادل النظرات سلاماً وكلاماً لا يُقال.. حتى تهاوت غضبتنا من بعضينا في جيوب الانتظار.. بعد أن دارت رحى أيدينا وتشابكت أصابعنا لتوزيع المعقم كما يجب، فرَّغنا بذلك طاقتينا السلبية طلبًا للوقاية والنجاة من الآتي .. 
بادر من خلف كمامته الموشحة بنقوش الورد، ومن على مقعد الحوار، تغنّج أبو هلال بقوله: 
‏- أنا بسموّي شرفت وعلو قدري تكرمت، لا أعلم لولا حضوري كيف يكون يومكم أو عامكم.. وكذلك كيف تكون ذكرياتكم الخالدة. ‏
- وما الذي تغير؟ فالأمر سيان!
‏- اسمي عيد ووصفي سعيد، وأينما أحل أُفرحُ!
‏- يا لك من واثق، ومغرور أيضًا!
‏- ضِحك وقال وهو يبوح برجائه، العيد لا يعقبه إلا الفرح، فبمجرد إعلانه، ارخ أذنك للبشائر.
‏- يا رب. 



مازالت جملة (يا رب) نداءً يزلزل كل فؤاد، وتسفح عنها العبرات، وصداها في الأرجاء بكل اللغات .. 
الرب هو الإيمان الذي يُتلى في المسافة المتهدجة بين الحاجة المُلحّة وسُبل بلوغها.


الجمعة، 19 مارس 2021

منزلٌ تحت وطأة الزمن

 












ألا فرجاً قريباً يسر الرؤى..

‏أيا فجراً.. 

أطال الرقاد في كنف الدجى.. 

‏أطل .. 

‏فشمسك التي غربت منذ عشرين عام ..

‏طوت كل الانتظارات واستبدت بالقلق ..!


أيا ربّاً عزيز المقام مجيب الدعا 

ساوِ أمانينا بأفلاك الفضا 

وزدنا .. 

وهبنا بعد طول الأمد

رحيق العمر في قناني بركاتٍ ورغدْ ..


ألا يا شاخصاً علينا من جبروتنا 

ندعوك بالحلم ونستدعيك مُلك اليمين 

ونحن متى ارتوينا؟

من نبتِ المناغي وحتى تلاغي الحروف!


لك الله يا قلباً تمنى .. 

لك الله يا قلباً شغوف ..


تُنازِعُنا الغفْوات، متى المُستراح ؟ 

وكل يومٍ من الأمواجِ يعقبهُ تالِ ..



الخميس، 11 مارس 2021

النضوج قبل الاحتراق



النضوج مرتبط بالاحتراق..، هكذا هي فكرة سائبة وسائدة! 

يبلغ الطعام مرحلة الاستواء تحت اشتعال اللهب! 

يعْقلُ المرء بعددِ ما لاقى من تجارب قاسية!

ماذا لو استبدلنا التسخين بأقسى درجات التبريد؟ وأوجدنا تجربةً ناجحة ينضج الطعام بها.. فما نمارسه يومياً يؤثر علينا بالتأكيد!

قد تكون فكرة باردة .. أو هكذا يتداعى إليّ! 


بمعنى آخر.. يكون الإنسان أهدأ حينما يستقيظ باكراً في الصباح بعد تمتعهِ بقسط كافٍ من النوم  ليلاً! 

وكذلك الأمر مرتبط بالمسرات المسائية وليالي السمر واجتماع الأصحاب والأحباب ليلاً حيث لطافة الأجواء والدفء ..، حتى عزائم الظهيرة لا تجد الحفاوة وإجابتها تتم بشكلٍ مقتضب ..! 

لن تجد عاملاً ينضح عرقه تحت أشعة الشمس الملتهبة أو شخصاً مصابًا بحمّى.. ويعطيك من طرف اللسان حلاوة!

أنت تطلب أن يُمثل عليك دوراً مثالياً!

بينما هناك في المناطق الباردة يلهُون بكرات الثلج، ويلتقطون صورهم التذكارية .. 

هذا كله لا يعتبر مقارنةً أو مفاضلةً بينهما، فلكلٍ منهما دوره واحتياجه.. لكنها فكرة نحو التراجع عن شيء والاقتراب من شيء آخر  يؤازر المودة في حياتنا.


طبعاً البرود يقتل أولئك المصابين بمتلازمة الحرارة، وليس هو المُراد الذي تتمدد من أجله الحروف أو تتقلص المعاني. 

وإنما تكون المشكلات عصيّة على الحل حين فورانها، وتبدأ تُحلُّ عُقَدِها بعد مُدّة من وقوعها كفيلةٍ ببرودها وحطَّ أوزارها وتعدّد فُرص تلاشيها.



الثلاثاء، 9 فبراير 2021

ويموت المحسنون.. أيضاً !





عندما يموت مُحسناً تشق الأرض جيبها وتدفن جرحها وتندب حظها، حيث أن ميزان القوة يرجح لصالح الأشرار وفيالق الأوغاد والحمقى ويتمدّد أيضاً.. 
الأرض كلها مقبرة ومساحة الفرح فيها غفوة من العذاب المستعر.. 
حينما تخلو المساحة من الأحدب الحنون، من أعياه السفر الطويل والتعب المتسربل، هل يشكو وحدته؟ أم غربته؟ أم مرضه؟ أم الوجود الذي لا يسع إنسانيته؟ عندها يعود الإنسان لتربته غير آسفاً على شيء سوى أيامه المُهدرة في قيظ التصحر.. إلى الجنان يا سيد الحنان! 
في مرضك الأخير (وأمراضك قصة أخرى من عذابات الوجع، حاربت فيها كثيراً وخارت قواك أخيراً) .. هاتفتُك لأطمئن على نواغز روحي تجاهك، قرأتُ صوت الموت في أنّات كلماتك.. 
سمعت مرارات السأم التي لم تنطق بها، شعرت بذلك، رأيت ذلك.. لكنني ككل المسوّفين انتظر الفرصة المناسبة، والفرصة المناسبة أتت حينما كان لابد من فرصة.. وكانت للوداع!
عاش وحيداً، عاش بعيداً، عاش فريداً، وكأنه يدس آلامه وأمراضه .. 

مات المحسنُ.. وكلنُا مسيئون! 




الرياض، من صدى مساء السبت 12 / سبتمبر 2020 م. 
كُتبت يوم الجمعة 25 من الشهر والعام ذاته.

الجمعة، 11 سبتمبر 2020

الشلهوب.. سيّد الملاعب


جاء عرافاً للملاعب ..

جاء للقلوب يداعب ..

غادر حين حطّم كل المصاعب

غادر بعد أن حقق كل المطالب ..


ابن بندر وأبو البندري فارس بني هلال.. 

يكفيك من تواضعه.. ابتسامته!

يكفيهم من روحه.. بطولاته!

يكفيه من شلهوبيته.. محمديته!

يكفينا من بحرهِ.. زُرّقتِهِ!

كفانا من المجد.. ابجديته!


هناك امتزاج عجيب بين جاذبيته ورقم عشرة.. 

كان رقم عشرة عليه أبهى، عليه أزكى، عليه أسمى، عليه أمضى.. عليه وسعديه أحلى ... 


لو أنَّ لكرة القدم من خيار للاعتزال لاعْتزلت مع سيد الأخلاق.. محمد الشلهوب !

لم يلاطفها أو يغمز لها أو يعْبر بها أحد كما فعل المحبوب الموهوب!

أظنها تُضيع الفرصة الملائمة للوداع ..! 



ما كان لهذا الفِراق أن يكون إلاّ لأنه القدر يا رفيق البطولات!


الصورة من حساب نادي الهلال على تويتر. 

الاثنين، 24 أغسطس 2020

أين أنت يا إبراهيم ؟


قبل سنوات عديدة لمرضٍ ما رقدت في مستشفى الملك فيصل (الششة) بمكة بضعة أيام، يُقال بأنّ عمري وقتذاك ثلاثة أعوام، وسط ذاكرة متقطعة كان يرقد بجانبي شقيّ مثلي اسمه؛ إبراهيم، مر العمر ولازلتُ اتذكره.. تُرى ماهو حالك يا (هيما)، وكيف هي رحلتك مع الأيام؟.. ووالدك الطيّب (صاحب الكرسيدا) ما حاله؟
أتذكر عارضيه السوداوين المُزيّنة بالبياض الطفيف، كان يرتدي ثوباً، حاسر الرأس، أسود الشعر، قصيره، دون تصفيف مُتكلِّف! 
عند خروجنا من المشفى معاً اقتعدنا المقعد الخلفي، لعبنا بالمخدتين التي توضع للزينة على الطبلون الخلفي وتقاذفناهما بيننا، طالعنا السيارات التي تسير خلفنا، وضحكنا .. 
كان أبوانا يتجاذبان الحديث باحترام كبير، أوصلانا لسيارة أبي ثم غادرا من مشهد حياتينا إلى اليوم الذي أخط فيه من عبق الأيام شذاها.. 
بعد أن ودّعناهما امتطينا سيارتنا عصر يوم من أيام أم القرى، جلست وأبي على طاولة ومقعد خشبي بمطعمٍ شعبي.. تناولنا طعاماً وشراباً لا تلم ذاكرتي به، وتشاركنا بلعب الطقطيقة (الصرقيعة).. 
كان والدي يرتدي ثوباً سكريًا بكمين مغلقين عند معصميه بزرارين من نفس اللون ويعتمر عمامة حمراء ...
بعدها تقطعت السبل بذاكرتي لا أدري ما قبلها وما بعدها على وجه التحديد أو الترتيب، هذه اللحظة كشَرَك وضع لقطاةٍ أصطادها دون سرب من المواقف.. 

أرجو أن تصل رسالتي إليك يا إبراهيم .. 
إن أصعب شيء في البحث، أن تبحث عن ذاكرة لم تنسَ صورة التقطتها ذاكرتك وحفِظتها.. وربما لم تلقَ العناية مثلها من الآخر.. وربما كان أصغر من تختزن ذاكرته براءة الأطفال .. 

من يعرف؟ ربما يجمعنا ذات مشفى لأمراض الشيخوخة! ، فالقدر الذي جمعنا صغاراً نضحك للأيام لا يُعجزه أن يجمعنا ونحن نستودع الدنيا بكهولةٍ كريمة.


رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...