الجمعة، 19 أبريل 2024

رسالة إلى أخي الأكبر




إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي..

إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما يعاكسه وأحدث حِرقةً في الوجدان..

إلى الهوّة العميقة التي بين الأجيال..

إلى الفضاء السحيق الذي ما يزال يملأه رفقاء الظلام والضلال والسوء..

إلى الفراغ العظيم الذي يمتد بحجم الأسئلة..

إلى أخي الكبير الذي ما زلت أفتقده، مع مرارات السنين، مع لوعات الزمان، مع عَبرات المواقف..

إلى أخي الذي شق طريقه بجانبه الأيمن، وأخذ يصحبني بيده اليسرى..

إلى أخي الذي سبقني إلى شغاف الحياة، ويأخذني إلى الأخذ بوصاياه..

إلى المحرومين من تلك الرُتبة، إلى المنسيين وسط تخوم متعددة من هذه المنزلة! 

إلى كل فؤاد موؤد.. وكل ودود مفؤود.. وإلى كل حالمٍ أعياه كل ظالمٍ في الوجود ..

يقولون إن الجراح تخمد كالبراكين كلما تقادمت، عبثاً حاولتُ أن أُصدِّقهم..

غير أن جرح افتقادك دوماً يناديني، ينادمني، كلما وقفتُ لحظة ساهمة انتظرُ فكرةً ملهمةً..

أو تجنّب منزلقٍ أو نجاة من سقر..

عبثاً أُحاول..

فكلما علّقتُ تميمتي في قريبٍ أو لصيق.. 

جاءتني الصيحة على شكل خذلان.. على هيئة سلوان.. على تماثيل متعددة بلا مبدأ، وتحمل عنوان: استيقظ ليس لك أخاً أكبر..!

قُمْ على نفسك، أنت لنفسك عَمَد ووتد.. 


الجمعة، 16 فبراير 2024

أسطورة الحبل السحري



    تنقلنا الأسطورة في الحكايات إلى عالم روحي آخر، يشع بالغرائب ويجود بالعجائب ويستمر بالدهشة التي تُحيّر العقول وتأسر القلوب، عدوها الأوحد كل عجول! 

في فلك الأساطير، التمايز على خط الانتشار، مرور القرون رحًى تُديرها على كفوف السائلين في كل عصر.. أسطورة عصرنا مازالت فتيّة، لا أحد يذكرها على الإطلاق بشيء من التطرّف في الوصف، تأخذ دور آخر العنقود.. تكاد تئدها الغيرة! فالأقل شأناً منها لها مزارات وطوابع وتماثيل تذكارية، تملأ رفوف الدور الثقافية، يبروزونها ويبرزونها الناس خلفهم على الحائط أو على طاولة بجوارهم في صورهم المُلتقطة، يقرأ رمزيتها من اطّلع على شواهق التأريخ ودهاليزه..

أسطورة هذا العصر، ينتقل الناس من خلالها في أمكانهم، وتلك الأساطير لا تفعل ذلك، ألا يحقُّ لها أنْ تنفعل؟! 

بل إنها أنشأت قِصصاً غرامية بين جنسين، وخلقت أجواءً مناسبة لتبادل المحبة، وعلى النقيض أوجدت مناخاً ملائماً للحروب الباردة، وتغلغُل القوى الناعمة! 

طائفة المؤمنين في كل الأديان لا يكفرون بها، ليست مارد جن ولا مادة إنس.. هي شيء لا يُشبه أي شيء، وشاخص لا يُرى.. وآثاره الأثيرة والوثيرة شاخصةً للعيان والبيان، تدس السمن في العسل وتدس السُمَّ في كل مذاق، لا تقتل، تُلوّث، وتمنح مزاجاً رائقاً في أكثر الأحوال، بحسب المورد والمصب، تنهال كعرافة تقرأ الكف، كمُنجّمة تقرأ الطالع، تومض، تُقلع، تحط أسفارها في كل بقعة! 

الخيل والليل والبيداء تعرفها -أو كما يقول الشاعر العربي الأصيل ذائع الصيت في القِدم، ويحيا كأسطورة رمزية غارقة في العراقة حتى عصرنا هذا- تربط البحار والقفار ببعضها، وتعبر بها ومن خلالها، غيابها يعني الخروج عن المألوف، تلك هي أسطورتها، بحضرتها يقترب كل ناءٍ بالبعد، تحمل العناوين والأسماء والأسفار والمعاجم والتراجم، والعرب والأعاجم، والأحجار الكريمة والتي بلا قيمة أيضاً، تحوي الإنسان من رأسه حتى أخمص قدميه مروراً بالعجان، بمعية كل الكائنات الحية وغير النابضة بالحياة، تحمل الشيء والوجه الآخر منه في ذات اللحظة مع المريدين والمستنكرين معاً، معها تشعر بأنّك وحيد ومَنْ حولك كآلهة كهنوتية، تحقق مبتغاك دون توسلٍ وعناء صرف عبادة.. ويعتريك شعور تموّجك مع الكثرة كأنك لاشيء، وإن أكبرت نفسك؛ فبالكاد تزن وجودك كحبة رمل وسط كثبان صحراوية مترامية الأطراف!

لا أحد يُصرّح بها عنوة، منذ أنْ أبرزت مفاتنها، تنفرد بمطالعي حكاياتها، يتعرّفون على عوالم في بلاد بعيدة، يتبايعون، يعقدون الصفقات، يقضون ليالي السمر.. 

عندما تتثاءب ينام العالم، وحين تسرع تسرق الانتباه، ومن قبحها في بعض الوقت تأخذ دور السلحفاة؛ ليحتل متفرجي متعتها الضجر وتخرج نتوءاتهم المنزعجة على السطح!

الرابط السحري، الحبل السري لعصب حياة القرن الواحد والعشرين.. شبكة الانترنت وبرامجها وتطبيقاتها، تأخذ مجراها الطبيعي كأسطورة حيّة، ولها أن تختال. 


الخميس، 8 فبراير 2024

وشمٌ على جدار الزمن

 



    العلاقات الطيبة، هي نور الأمل الباقي على الصعيد الشخصي، تتقدم السنين، ومن يطوي على صفحاتها الأثر الجميل، يجد نقوشها رحابةً في صدره، وزكاةً في نفسه، وأشرعةً من فياض.. وحياض من طمأنينة وسلام.
إنّ اللياقة الإيجابية تحتاج إلى دربةٍ ومران لتجتاح كل اليباس لتمنح الإخضرار .. 
من اليسير جداً، العبوس والاكفهرار والإعراض.. لكن الإقبال والبِشْر والتبسم، منهل الرسل العذب، منهج محفوف بأرتال من الأعباء، على أي حال كنت، فأنت ترسل رسالة عبر أزمنتك التي تحياها وتحيا بعدك ..
كم الذين عبروا خفافاً على الأنفس، وجعلوا الأريج يُخالط عطر طيفهم وذكرهم وذكرياتهم، وكم الذين أورثوا الحنظل والمرَّ والعلقم؟! .. ثمة مفارقة!
لا أحداً يريد لشخصه المورد السيئ، فالسيئ بذاته، يرى في نكاله وسواد أفعاله، الخمار الذي يستر عورات الناس!
أو هو مُحطّمُ أصنامٍ طال بها المقام كثيراً، أو يريد صولات الأسود (ولكنه نسي أنّه خارج قانون الغابة).. على أيةِ حالٍ، تتعدد الغايات والخلفيات التي انطلق منها ذاك العابث في النسيج الاجتماعي؛ ونكاد نجد ما يُتّفق عليه؛ أفضى إلى جادة الصواب، وانتهى! 
إذا كان الانتهازيون -في غالب أمرهم- لا يفرقون بين ما هو لائق وغير ذلك، سوى ما يُغذي أنانيتهم.. فإنّ المترفعون عن الدنى والخنى، هم سُراة الناس الذين يبذرون الصدق، ويحقنون النضارة في جسد شيخوخة الزمن، ويؤصلون التعامل، فهم الحضور في زمن التلاشي، والمثال الرفيع للخيط الأبيض بين نُدف الدنس، هم الصفح والصحِة والأحق بالصحبة والذكر. 

يقول الشاعر في الزمن الجاهلي، عدي بن زيد العبادي، في قصيدته التي مطلعها: (أَتَعرِفُ رَسمَ الدَّارِ مِن أُم مَعبِدِ)، اخترت منها: 

أَعاذِلُ ما أَدنَى الرَّشادَ مِنَ الفَتَى 
                                    وأَبعَدَهُ مِنهُ إذا لَم يُسَدَّدِ 
. . .
كَفَى زاجِراً لِلمَرءِ أَيَّامُ دَهرِه 
                               تَروحُ لَهُ بالواعِظاتِ وتَغتَدي
. . .
فَنفسَكَ فاحفَظها مِنَ الغَيِّ والخَنَى
                           مَتَى تُغوِها يَغوَ الَّذي بِكَ يَقتَدي
. . .
عَنِ الَمرءِ لا تَسأَل وسَل عَن قَرينِه 
                                  فكُلُّ قَرينٍ بالُمقارَنِ يَقتَدي 
. . .
إذا ما رأَيتَ الشَّرَّ يَبعَثُ أَهلَهُ 
                                وقامَ جُناهُ الشَّرَّ للشَّرَّ فاقعُدِ 
. . .
إذا كنتَ في قَومٍ فَصَاحِب خَيارَهُم
                    ولا تَصحَبِ الأَردَى فَترَدى مَعَ الرَّدي

الخميس، 23 فبراير 2023

الدرعية 1727م - 1139هـ

 



إنّ أكبر قضية نراهن عليها هي وطنية الشعب السعودي، بعد همّته، ذلكم الأفراد المحبون للحياة، في الذكرى السادسة والتسعين بعد المئتين. 

ذكرى مجيدة تُبعث للمرة الثانية (في عام 2023م) بعد مضي ثلاثة قرون تقريباً، مناسبة أوجدها قادة البلاد لاستحضار الأرواح والجهود والمراحل المُشكِّلة لعظمة البلد. 

تلك القصة التي بدأها الإمام محمد بن سعود في الدرعية، ليست خيطاً من وهم، ولا قطع طريق لشاب أغرته قوته. 

إنما هي -وكما اتضح لاحقاً- تكورت وتبلورت وتطورت وأصبح لعرب الجزيرة موطناً له راية نبعت من قلب الصحراء.. 

من حيث الأنفة والكبرياء والعدل والقوة والأحلام الكبيرة والرؤى العميقة.. 

دولة تتشكل بلا موارد تقيم صلب دولة، لكنها قامت على عزم وهمّة، وسقطت، ثم قامت فسقطت، ثم قامت ولا تزال -ولله الحمد والمنة والفضل- ثم بجهود الملك عبدالعزيز ورجاله، وابنائه الحُكام من بعده، وابناء الوطن المخلصين.. 

أسوق هذا الكلام، وأنا أرى في غرب البلاد -حيثُ أُقيم- التفاعل الشعبي المنطلق من ذاتية الفرد، وصور وفيديوهات تبثها مُعرّفات مواقع التواصل من نواحٍ شتى تتغنى بأمجاد قصة الدرعية تلك! 

قصة الدرعية، نمت وترعرعت في الرياض، وتبرعمت وتشكّلت لتعم الجهات؛ لتصبح المملكة العربية السعودية، لتمسي، لتظل، لتبقى، الوطن الراسخ في الأعماق، الذي ينتشي اعتزازاً بماضٍ تليد، وحاضر مجيد، ومستقبل يستمد من أصالته ما يُشيّد به الفخر على صروح العصر.

الأحد، 20 نوفمبر 2022

مونديال قطر مونديال العرب




بعد اثنين وتسعين عاماً من بدايتها، تنطلق النسخة الثانية والعشرين من كأس العالم (مونديال قطر 2022م) من بلدان العرب لأول مرة، ومن الخليج تحديداً، ونسخة ثانية لقارة آسيا بعد مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، وثالث مونديال خارج الأمريكيتين وأوروبا بعد مونديال جنوب أفريقيا 2010م.. والنسخة العالمية الأولى التي تضم منتخبين خليجيين "السعودية وقطر"، والبرازيل متفردة بالعلامة الكاملة.. وحدها لم تغب عن المحفل الكروي العالمي والحائزة الأكثر على الذهب! 
الفرصة مواتية لتحقيق ملحمة عربية في الأدوار الاقصائية، فالأرض والجمهور تتكلمان العربية بصوت جهوري، وكذلك الفرصة سانحة ليرتفع الزئير الأفريقي، والحضور الفاقع لونه من ممثلي القارة الصفراء، فأمام تونس والمغرب والكاميرون والسنغال وغانا من جهة، والسعودية وقطر واليابان وإيران وكوريا الجنوبية واستراليا من جهة أخرى، مساحة تاريخية لإبراز جغرافيا جديدة في كرة القدم.
هذا المأمول والأمل.. ولا يوجد عيباً في التلويح بالأماني!
ولا رهانات خاسرة في العرس المونديالي.. فالفوارق الفنية واضحة وجليّة، المنتخبات الأوربية أكثر صلابة، والأمريكية أكثر مهارة.. فيما الطموح الأفروآسيوي يجب أن يكون أكثر جسارة! 

دوح الختام:
دوحة الخير، دوحة آل ثاني وأهل قطر الكرام.. ستبهر العالم.



الجمعة، 7 أكتوبر 2022

الغِلال والأغلال والاستغلال


لقطة من مسلسل طاش ما طاش على شاشة mbc



    بعد حرب روسيا وأوكرانيا، وجد الجشعون مبرراً لارتفاع الأسعار غير ارتفاع مستوى أطماعهم، ارتفاع سعر الأعلاف! 
يرتفع سعر بسكويت النخالة أو التمر.. لا يُحرّكون ساكناً إلا بقول؛ الحرب رفعت أسعار الأعلاف! 
ويضيف أحدهم -وهو لا يرفع بصره عن حسابه المصرفي وقد انسدلت عمامته من خلف أذنيه- والملاحة العالمية في خطر! 
هُنا .. تجد نفسك في مشكلة مركبة وإصرار على تفاقمها، ما لها طب! 
خصوصاً ذاك الشبح الفتاك، شبيه أبو نزار في طاش ما طاش، خطر على السوق العالمية برمّتها..
ولو تُرِكَ لبعض تجارنا الحبل على الغارب، لأوجدوا ندرةً حتى في أوراق الفواتير وسوقاً سوداء لها أيضاً بذريعة احتراق الغابات! 
ولازلت أُحذّر من "شبيه صويحبي حسبي عليه" .. 
الذي يثير الشجن، أنّ الوفرة لم تصنع فرقاً في السعر لصالح المُستهلِك.. فقط أزمات متوالية تؤكد أو تشير إلى أزمة عالمية قادمة.. أو محتملة! 
يُشعرك أبو نزار وأقرانه أنهم تجّار من نوع نادر، ولولاهم لم تجد البضائع رديئة الصنع رواجاً.. تلك الحقيقة التي تزعجهم، لكنهم يصدحون بالصوت الشجي: "لكل شراي بضاعة وسوقي!".
نحمد الله أن تجارنا ليسوا ركائز أساسية في الصحة والتعليم.. وقد كفتنا وكفتهم خير ذلك وشره الدولة، وإلاّ تفشى الجهل والوباء والغلاء وانعدام الدواء، كلما أُطلِق صاروخ أو سقطت طائرة.. أو حتى وقعت مشاجرة جماعية! 
قاطعو طرق القوافل، تجار الطوارئ الذين يطربهم حِداء الأزمات، يجدون في الحرب والأعلاف نغمة جديدة بعد الجائحة والحظر، حتى يصادقون على المثل القائل: مجبر أخاك لا بطل!


الثلاثاء، 2 أغسطس 2022

سيّد الأدلّة


عام قمري جديد.. يا قمري!
يا عمري القادم بالأهلّة،
يا هلالاً يُطالعنا كلّما؛ 
تكلّمَ بالفصاحةِ في كَبِدِ السماء .. 
‏فيك الأحلام جمّة … 
كم فارقنا عزيزٌ من الأحبّة .. 
وظللنا نعدَّ النجوم، بكلِّ قراءات الوجوم 
وكم بقينا نُحصي بهاك! 
وقد باركتنا الليالي الحيّة، 
هنا وردةٌ وهنا خزامى وهناك فُلّة .. 
فأنت أيْهم يا قمراً حلّ بي: 
تريد ليالي الغزل؟ 
أم تريقنا بواكي المقل؟ 
أم تراوح بين مد وجزر.. الأخلّة؟!
.. ألا يا هلالاً من ولادته تُذاب الشموع!
ونقصُ على رؤياه شرائط الأمنيات ..
جدّ علينا بكاءً..
من شاخصات الفرح! 
يا فارس الأجنّة!
وشِيْحَ عنّا ابتسامات الهزائم، 
إنّا نذرناك تميمةً نُعلّقُ على استارها
سُعْدنَا وبُؤْسنا بوصفِكَ سيّد الأدلّة .. 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

  • كُتبت بمناسبة العام القمري 1444هـ

رسالة إلى أخي الأكبر

إلى المولود المفقود في شجرة عائلتي.. إلى أخي الأكبر الذي لم تنجبه الأيام، إلى الآلام التي ما برحت تعبث في الأحشاء، إلى كل شيء تمنيته وحدث ما...